سوريا بعد الأسد- تحديات الدولة الوليدة وخطر الانقسام
المؤلف: رامي الخليفة العلي09.17.2025

في اللحظات الحاسمة التي استشرف فيها الشعب السوري آفاق المستقبل، عقب سقوط نظام الأسد وتشكيل حكومة انتقالية بقيادة الرئيس الشرع، سرعان ما تجلى الواقع المرير بأن درب الاستقرار لا يقتصر على النوايا الحسنة، بل يعج بتحديات جمة تنذر بتقويض حلم الدولة الفتية. فبالرغم من التغيير السياسي المنشود، يظل الوضع الاقتصادي المتردي جاثماً على صدور السوريين، حيث تعجز الحكومة المؤقتة عن توفير أبسط مقومات العيش الكريم، وذلك بفعل العقوبات الأمريكية القاسية، والتي باءت محاولات الرئيس الشرع المتكررة لفتح قنوات دبلوماسية مع واشنطن لرفعها بالفشل الذريع. ولعل تصلب الإدارة الأمريكية في مطالبها يعكس شكوكها العميقة في جدية التحول السياسي في دمشق، أو ربما يخفي أهدافاً أبعد تتطلع إلى اشتعال الأوضاع الداخلية في سوريا من جديد.
لكن الاقتصاد ليس وحده من يضعف شوكة السلطة الجديدة؛ فالقضية الكردية تترنح على صدى خلافات عميقة برزت في الاجتماع الأخير للقوى الكردية، والذي فاحت منه رائحة انقلاب ناعم على الاتفاق المبرم مع «قسد»، وخاصة فيما يتعلق بمسألة اللامركزية. ومما يزيد الشكوك تأججاً هو ما يرصد من تحركات عسكرية محمومة وحفر للخنادق في مناطقهم، مما يوحي بإعادة ترتيب موازين القوى على الأرض، وكأن الجميع يستعد لجولة قتال جديدة. أما التفجير الأمني المروع في السويداء وضواحي دمشق، على خلفية التسجيل الصوتي الملفق المنسوب إلى رجل دين درزي، ما هو إلا قمة جبل الجليد في مشهد بالغ التعقيد، إذ تزامنت هذه الأحداث مع موقف حاسم من الشيخ حكمت الهجري، الذي رفض الاعتراف بشرعية الحكومة الجديدة، وأعلن رفضه القاطع لأي سلطة أمنية تحاول فرض سيطرتها على السويداء. هذا الرفض، وإن اتخذ طابعاً مذهبياً، إلا أنه يعكس مدى التصدع في الإجماع الوطني في لحظة تاريخية يفترض أنها تأسيسية.
إلا أن الأمر الأكثر خطورة مما ذكر، هو ظهور جماعات وفصائل متطرفة تتبنى خطاباً تحريضياً متشدداً خارج عن سلطة الدولة، تشن هجمات على الأحياء السكنية وتدخل في اشتباكات دامية مع القوى الأمنية، كما حدث في جرمانا. هذه الجماعات، التي تنشط في نشر الفكر المتطرف في مناطق المسيحيين، وتعتدي على أماكن الترفيه، وتتدخل في الحياة الخاصة للأفراد، أصبحت تشكل تهديداً وجودياً للتماسك الاجتماعي وللسلطة الوليدة. فهي لا تعترف بشرعية الرئيس الشرع، ولا بخطابه الداعي إلى المصالحة، بل تمثل النقيض المطلق له والخصم الألد. بيد أن الخطر الأكبر يكمن في العلاقة المشبوهة بين هذه الجماعات المتطرفة والإدارة الجديدة، حيث تشير التقارير إلى تسلل بعض عناصرها إلى جهاز الأمن العام، وهم أنفسهم الذين تلطخت أيديهم بالدماء خلال المواجهات العنيفة في منطقة الساحل، حيث أظهروا سلوكاً وحشياً وطائفياً مقيتاً. من هنا، فإن المعركة ضد هذه العناصر المتطرفة لا تحتمل التأجيل، فهي الاختبار الحقيقي للرئيس الشرع، وكل تأخير في مواجهتهم سيكلف سوريا المزيد من الدماء والتمزق، بل وقد يفتح الأبواب مجدداً لتدخلات خارجية متربصة تسعى إلى استغلال أي فرصة سانحة. السؤال الجوهري الذي يجب طرحه اليوم ليس «هل ستواجه الحكومة الجديدة هذا الخطر الداهم؟» بل «متى ستقوم بذلك؟» وكلما كانت الإجابة قريبة، كلما تعاظم الأمل بغد أفضل.